سورة آل عمران - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


قوله: {كُلُّ الطعام} أي المطعوم، ولحل مصدر يستوي فيه المفرد والجمع المذكر والمؤنث وهو الحلال، و{إسرائيل} هو يعقوب كما تقدم تحقيقه. ومعنى الآية: أن كل المطعومات كانت حلالاً لبني يعقوب لم يحرم عليهم شيء منها إلا ما حرم إسرائيل على نفسه وسيأتي بيان ما هو الذي حرمه على نفسه، وهذا الاستثناء متصل من اسم كان. وقوله: {مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التوراة} متعلق بقوله: {كَانَ حِلاًّ} أي: أن كل المطعومات كانت حلالاً {مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التوراة} أي: كان ما عدا المستثنى حلالاً لهم: {مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التوراة} مشتملة على تحريم ما حرمه عليهم لظلمهم، وفيه ردّ على اليهود لما أنكروا ما قصه الله سبحانه على رسوله صلى الله عليه وسلم من أن سبب ما حرمه الله عليهم هو ظلمهم، وبغيهم، كما في قوله: {فَبِظُلْمٍ مّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طيبات أُحِلَّتْ لَهُمْ} الآية [النساء: 160]. وقوله: {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] إلى قوله: {ذلك جزيناهم بِبَغْيِهِمْ} [الأنعام: 146] وقالوا إنها محرّمة على من قبلهم من الأنبياء، يريدون بذلك تكذيب ما قصّه الله على نبينا صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز، ثم أمره الله سبحانه بأن يحاجهم بكتابهم، ويجعل بينه وبينهم حكماً ما أنزله الله عليهم لا ما أنزله عليه فقال: {قُلْ فَأْتُواْ بالتوراة فاتلوها إِن كُنتُمْ صادقين} حتى تعلموا صدق ما قصّه الله في القرآن من أنه لم يحرّم على بني إسرائيل شيء من قبل نزول التوراة إلا ما حرّمه يعقوب على نفسه. وفي هذا من الإنصاف للخصوم ما لا يقادر قدره، ولا يبلغ مداه،
ثم قال: {فَمَنِ افترى عَلَى الله الكذب مِن بَعْدِ ذَلِكَ} أي: من بعد إحضار التوراة، وتلاوتها {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون} أي: المفرطون في الظلم المتبالغون فيه، فإنه لا أظلم ممن حوكم إلى كتابه، وما يعتقده شرعاً صحيحاً، ثم جادل من بعد ذلك مفترياً على الله الكذب،
ثم لما كان ما يفترونه من الكذب بعد قيام الحجة عليهم بكتابهم باطلاً مدفوعاً، وكان ما قصّه الله سبحانه في القرآن، وصدقته التوراة صحيحاً صادقاً، وكان ثبوت هذا الصدق بالبرهان الذي لا يستطيع الخصم دفعه، أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بأن ينادي بصدق الله بعد أن سجل عليهم الكذب، فقال: {قُلْ صَدَقَ الله فاتبعوا مِلَّةَ إبراهيم} أي: ملة الإسلام التي أنا عليها، وقد تقدم بيان معنى الحنيف، وكأنه قال لهم إذا تبين لكم صدقي، وصدق ما جئت به، فادخلوا في ديني، فإن من جملة ما أنزله الله عليّ: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].
وقد أخرج الترمذي، وحسنه، عن ابن عباس: أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: فأخبرنا ما حرّم إسرائيل على نفسه؟ قال: «كان يسكن البدو، فاشتكى عرق النساء، فلم يجد شيئاً يلائمه إلا تحريم الإبل، وألبانها، فلذلك حرمها،» قالوا صدقت وذكر الحديث.
وأخرجه أيضاً أحمد، والنسائي.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، عن ابن عباس في الآية؛ قال: العرق أجده عرق النساء، فكان يبيت له زق يعني صياح، فجعل لله عليه إن شفاه أن لا يأكل لحماً فيه عرق، فحرمته اليهود.
وأخرج البخاري في تاريخه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس من قوله ما أخرجه الترمذي سابقاً عنه مرفوعاً.
وأخرج ابن إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقول: الذي حرّم إسرائيل على نفسه، زائدتا الكبد، والكليتان، والشحم إلا ما كان على الظهر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عنه قال: قالت اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم نزلت التوراة بتحريم الذي حرّم إسرائيل، فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ فَأْتُواْ بالتوراة فاتلوها إِن كُنتُمْ صادقين} وكذبوا ليس في التوراة.


هذا شروع في بيان شيء آخر مما جادلت فيه اليهود بالباطل، وذلك أنهم قالوا: إن بيت المقدس أفضل، وأعظم من الكعبة لكونه مهاجر الأنبياء، وفي الأرض المقدسة فردّ الله ذلك عليهم بقوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} الآية، فقوله: {وُضِعَ} صفة لبيت، وخبر (أن) قوله: {لَلَّذِى بِبَكَّةَ مباركاً} فنبه تعالى بكونه أول متعبد على أنه أفضل من غيره، وقد اختلف في الباني له في الابتداء، فقيل: الملائكة، وقيل: آدم، وقيل: إبراهيم، ويجمع بين ذلك بأول من بناه الملائكة، ثم جدده آدم، ثم إبراهيم. وبكة علم للبلد الحرام، وكذا مكة، وهما لغتان، وقيل: إن بكة؛ اسم لموضع البيت، ومكة اسم للبلد الحرام؛ وقيل: بكة للمسجد، ومكة للحرم كله؛ قيل: سميت بكة لازدحام الناس في الطواف، يقال: بك القوم: ازدحموا. وقيل: البك: دق العنق، سميت بذلك؛ لأنها كانت تدق أعناق الجبابرة. وأما تسميتها بمكة، فقيل: سميت بذلك لقلة ما بها؛ وقيل: لأنها تمك المخ من العظم بما ينال ساكنها من المشقة، ومنه مككت العظم: إذا أخرجت ما فيه، ومك الفصيل ضرع أمه، وامكته: إذا امتصه؛ وقيل: سميت بذلك؛ لأنها تمك من ظلم فيها، أي: تهلكه. قوله: {مُبَارَكاً} حال من الضمير في {وضع} أو من متعلق الظرف؛ لأن التقدير للذي استقر ببكة مباركاً، والبركة: كثرة الخير الحاصل لمن يستقر فيه، أو يقصده، أي: الثواب المتضاعف.
والآيات البينات الواضحات: منها الصفا، والمروة، ومنها أثر القدم في الصخرة الصماء، ومنها أن الغيث إذا كان بناحية الركن اليماني كان الخصب في اليمن، وإن كان بناحية الشامي كان الخصب بالشام، وإذا عمّ البيت كان الخصب في جميع البلدان، ومنها انحراف الطيور، عن أن تمر على هوائه في جميع الأزمان، ومنها هلاك من يقصده من الجبابرة، وغير ذلك. وقوله: {مَّقَامِ إبراهيم} بدل من آيات قاله محمد بن يزيد المبرد.
وقال في الكشاف: إنه عطف بيان.
وقال الأخفش: إنه مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير منها مقام إبراهيم؛ وقيل: هو خبر مبتدأ محذوف أي: هي مقام إبراهيم، وقد استشكل صاحب الكشاف بيان الآيات، وهي: جمع بالمقام، وهو: فرد، وأجاب بأن المقام جعل، وحده بمنزلة آيات لقوّة شأنه، أو بأنه مشتمل على آيات، قال: ويجوز أن يراد فيه آيات بينات مقام إبراهيم، وأمن من دخله؛ لأن الإثنين نوع من الجمع.
قوله: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً} جملة مستأنفة لبيان حكم من أحكام الحرم، وهو: أن من دخله كان آمناً، وبه استدل من قال: إن من لجأ إلى الحرم، وقد وجب عليه حدّ من الحدود، فإنه لا يقام عليه الحدّ حتى يخرج منه، وهو قول أبي حنيفة، ومن تابعه، وخالفه الجمهور، فقالوا: تقام عليه الحدود في الحرم.
وقد قال جماعة: إن الآية خبر في معنى الأمر، أي: ومن دخله، فأمنوه كقوله: {فلا رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ} [البقرة: 197] أي: لا ترفثوا، ولا تفسقوا، ولا تجادلوا.
قوله: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} اللام في قوله: {لِلَّهِ} هي التي يقال لها: لام الإيجاب، والإلزام، ثم زاد هذا المعنى تأكيداً حرف {على} فإنه من أوضح الدلالات على الوجوب عند العرب، كما إذا قال القائل لفلان عليّ كذا، فذكر الله سبحانه الحج بأبلغ ما يدل على الوجوب تأكيداً لحقه، وتعظيماً لحرمته، وهذا الخطاب شامل لجميع الناس لا يخرج عنه إلا من خصصه الدليل كالصبي، والعبد. وقوله: {مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} في محل جرّ على أنه بدل بعض من الناس. وبه قال أكثر النحويين. وأجاز الكسائي أن يكون في موضع رفع بحج. والتقدير: أن يحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وقيل: إن {من} حرف شرط، والجزاء محذوف، أي: من استطاع إليه سبيلاً فعليه الحج.
وقد اختلف أهل العلم في الاستطاعة ماذا هي؟ فقيل الزاد، والراحلة، وإليه ذهب جماعة من الصحابة، وحكاه الترمذي، عن أكثر أهل العلم، وهو: الحق. قال مالك: إن الرجل إذا وثق بقوّته لزمه الحج، وإن لم يكن له زاد، وراحلة إذا كان يقدر على التكسب، وبه قال عبد الله بن الزبير، والشعبي، وعكرمة.
وقال الضحاك: إن كان شاباً قوياً صحيحاً، وليس له مال فعليه أن يؤاجر نفسه حتى يقضي حجه، ومن جملة ما يدخل في الاستطاعة دخولاً أوليا أن تكون الطريق إلى الحج آمنة، بحيث يأمن الحاج على نفسه، وماله الذي لا يجد زاداً غيره، أما لو كانت غير آمنة، فلا استطاعة؛ لأن الله سبحانه يقول: {مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} وهذا الخائف على نفسه، أو ماله لم يستطع إليه سبيلاً بلا شك، ولا شبهة.
وقد اختلف أهل العلم إذا كان في الطريق من الظلمة من يأخذ بعض الأموال على وجه لا يجحف بزاد الحاج. فقال الشافعي: لا يعطى حبة، ويسقط عنه فرض الحج ووافقه جماعة، وخالفه آخرون. والظاهر أن من تمكن من الزاد، والراحلة، وكانت الطريق آمنة بحيث يتمكن من مرورها، ولو بمصانعة بعض الظلمة بدفع شيء من المال يتمكن منه الحاج، ولا ينقص من زاده، ولا يجحف به، فالحج غير ساقط عنه بل واجب عليه؛ لأنه قد استطاع السبيل بدفع شيء من المال، ولكنه يكون هذا المال المدفوع في الطريق من جملة ما تتوقف عليه الاستطاعة، فلو وجد الرجل زاداً، وراحلة، ولم يجد ما يدفعه لمن يأخذ المكس في الطريق لم يجب عليه الحج؛ لأنه لم يستطع إليه سبيلاً، وهذا لا بد منه، ولا ينافي تفسير الاستطاعة بالزاد، والراحلة، فإنه قد تعذر المرور في طريق الحج لمن وجد الزاد، والراحلة إلا بذلك القدر الذي يأخذه المكاسون، ولعل وجه قول الشافعي: إنه سقط الحج، أن أخذ هذا المكس منكر، فلا يجب على الحاج أن يدخل في منكر، وأنه بذلك غير مستطيع.
ومن جملة ما يدخل في الاستطاعة أن يكون الحاج صحيح البدن على وجه يمكنه الركوب، فلو كان زمِناً بحيث لا يقدر على المشي، ولا على الركوب فهذا، وإن وجد الزاد، والراحلة، فهو لم يستطع السبيل.
قوله: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ العالمين} قيل: إنه عبر بلفظ الكفر عن ترك الحج؛ تأكيداً لوجوبه، وتشديداً على تاركه، وقيل: المعنى: ومن كفر بفرض الحج، ولم يره واجباً، وقيل: إن من ترك الحج، وهو قادر عليه، فهو كافر. وفي قوله: {فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ العالمين} من الدلالة على مقت تارك الحج مع الاستطاعة، وخذلانه، وبعده من الله سبحانه ما يتعاظمه سامعه، ويرجف له قلبه، فإن الله سبحانه إنما شرع لعباده هذه الشرائع لنفعهم، ومصلحتهم، وهو: تعالى شأنه، وتقدس سلطانه غني لا تعود إليه طاعات عباده بأسرها بنفع.
وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن علي بن أبي طالب في قوله: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ} الآية، قال: كانت البيوت قبله، ولكنه كان أوّل بيت وضع لعبادة الله.
وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما، عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع أوّل؟ قال: «المسجد الحرام،» قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى،» قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والبيهقي في الشعب، عن ابن عمر، قال: «خلق الله البيت قبل الأرض بألفي سنة، وكان إذ كان عرشه على الماء زَبْدةً بَيْضاءَ، وكانت الأرض تحته، كأنها حشفة فدحيت الأرض من تحته».
وأخرج نحوه ابن المنذر، عن أبي هريرة.
وأخرج ابن المنذر، والأزرقي، عن ابن جريج قال: بلغنا أن اليهود قالت بيت المقدس أعظم من الكعبة؛ لأنه مهاجر الأنبياء، ولأنه في الأرض المقدسة، فقال المسلمون: بل الكعبة أعظم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ} الآية إلى قوله: {فِيهِ ءايات بينات مَّقَامُ إبراهيم} وليس ذلك في بيت المقدس: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً} وليس ذلك في بيت المقدس: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} وليس ذلك في بيت المقدس.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، عن عبد الله بن الزبير قال: إنما سميت بكة؛ لأن الناس يجيئون إليها من كل جانب حجاجاً.
وروى سعيد بن منصور، وابن جرير، والبيهقي، عن مجاهد: إنما سميت بكة؛ لأن الناس يتباكون فيها، أي: يزدحمون.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن مقاتل بن حيان، في قوله: {مُبَارَكاً} قال: جعل فيه الخير، والبركة: {وَهُدىً للعالمين} يعني: بالهدى قبلتهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، من طريق العوفي، عن ابن عباس: {فِيهِ ءايات بينات} فمنهن مقام إبراهيم، والمشعر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن الحسن في قوله: {فِيهِ ءايات بينات} قال: مقام إبراهيم: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت}.
وأخرج الأزرقي، عن زيد بن أسلم نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً} قال: كان هذا في الجاهلية، كان الرجل لو جرَّ كل جريرة على نفسه، ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول، ولم يطلب، فأما في الإسلام، فإنه لا يمنع من حدود الله، من سرق فيه قطع، ومن زنى فيه أقيم عليه الحدّ، ومن قتل فيه قتل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، والأزرقي، عن عمر بن الخطاب قال: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِناً} قال: من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤوى، ولا يطعم، ولا يسقى، فإذا خرج أخذ بذنبه.
وقد روي عنه هذا المعنى من طرق.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عنه قال: لو وجدت قاتل أبي في الحرم لم أعرض له.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير، عن ابن عمر قال: لو وجدت قاتل أبي في الحرم ما هِجْتهُ.
وأخرج الشيخان، وغيرهما، عن أبي شريح العدوي قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح فقال: «إن مكة حرّمها الله، ولم يحرّمها الناس، فلا يحلّ لامريء يؤمن بالله، واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقولوا: إن الله قد أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم، كحرمتها أمس»
وأخرج الدارقطني، والحاكم وصححه، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله: {مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} فقيل: ما السبيل؟ قال: «الزاد، والراحلة».
وأخرج الشافعي، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عدي، وابن مردويه، والبيهقي في سننه، عن ابن عمر مرفوعاً: أنه قام رجل، فقال: ما السبيل؟ فقال: «الزاد، والراحلة».
وأخرج الدارقطني، والبيهقي في سننهما من طريق الحسن، عن أمه، عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما السبيل إلى الحج؟ قال: «الزاد، والراحلة».
وأخرج الدارقطني في سننه، عن ابن مسعود مرفوعاً مثله.
وأخرج الدارقطني، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه مرفوعاً مثله.
وأخرج الدارقطني، عن جابر مرفوعاً مثله.
وقد روى هذا الحديث من طرق أقلّ أحواله أن يكون حسناً لغيره، فلا يضره ما وقع من الكلام على بعض طرقه، كما هو معروف.
وأخرج الدارقطني، عن علي مرفوعاً في الآية: أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «تجد ظهر بعير».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، عن عمر بن الخطاب في قوله: {مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً} قال: الزاد، والراحلة، وأخرجا عن ابن عباس مثله.
وأخرجه عنه مرفوعاً ابن ماجه، والطبراني، وابن مردويه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي عنه قال: السبيل أن يصح بدن العبد، ويكون له ثمن زاد، وراحلة من غير أن يجحف به.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، عنه قال: {سَبِيلاً} من وجد إليه سعة، ولم يحل بينه، وبينه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن عبد الله بن الزبير قال: الاستطاعة: القوّة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، عن النخعي قال: إن المحرم للمرأة من السبيل الذي قال الله.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي للمرأة أن تسافر بغير ذي محرم. واختلفت الأحاديث في قدر المدة، ففي لفظ ثلاثة أيام، وفي لفظ يوم وليلة، وفي لفظ بريد.
وقد وردت أحاديث في تشديد الوعيد على من ملك زاداً، وراحلة، ولم يحج. فأخرج الترمذي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ملك زاداً، وراحلة تبلغه إلى بيت الله، ولم يحج بيت الله، فلا عليه بأن يموت يهودياً، أو نصرانياً» وذلك بأن الله يقول: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ العالمين}. وفي إسناده هلال الخراساني أبو هاشم. قال البخاري: منكر الحديث. وقيل: مجهول.
وقال ابن عدي: هذا الحديث ليس بمحفوظ وفي إسناده أيضاً الحارث الأعور، وفيه ضعف.
وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد في كتاب الإيمان، وأبو يعلى، والبيهقي، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات، ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه مرض حابس، أو سلطان جائر، أو حاجة ظاهرة، فليمت على أيّ حال شاء يهودياً، أو نصرانياً».
وأخرج ابن أبي شيبة، عن عبد الرحمن بن سابط مرفوعاً مرسلاً مثله.
وأخرج سعيد بن منصور. قال السيوطي بسند صحيح، عن عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار، فلينظروا كل من كان له جدة، ولم يحج، فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين.
وأخرج الإسماعيلي عنه يقول: «من أطاق الحج، ولم يحج، فسواء عليه يهودياً مات، أو نصرانياً» قال ابن كثير بعد أن ساق إسناده: وهذا إسناد صحيح.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، عنه نحوه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن ابن عمر: «من مات، وهو موسر، ولم يحج جاء يوم القيامة، وبين عينيه مكتوب كافر».
وأخرج سعيد بن منصور، عنه: «من وجد إلى الحج سبيلاً سنة، ثم سنة، ثم سنة ثم مات، ولم يحج لم يصلّ عليه، ولا يدري مات يهودياً، أو نصرانياً».
وأخرج سعيد بن منصور، عن عمر بن الخطاب، قال: لو ترك الناس الحج لقاتلتهم عليه، كما نقاتلهم على الصلاة، والزكاة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عن العالمين} قال: من زعم أنه ليس بفرض عليه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس في الآية قال: من كفر بالحج، فلم يرجحه براً، ولا تركه مأثماً.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عكرمة قال: لما نزلت: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا} [آل عمران: 85] قالت اليهود: فنحن مسلمون، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله فرض على المسلمين حج البيت» فقالوا: لم يكتب علينا، وأبوا أن يحجوا، قال الله: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ العالمين}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن عكرمة نحوه.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، عن الضحاك قال: لما نزلت آية الحج {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} الآية، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الملل مشركي العرب، والنصارى، واليهود، والمجوس، والصابئين، فقال: «إن الله فرض عليكم الحج، فحجوا البيت» فلم يقبله إلا المسلمون، وكفرت به خمس ملل، قالوا: لا نؤمن به، ولا نصلي إليه، ولا نستقبله، فأنزل الله: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ العالمين} وأخرج عبد بن حميد، والبيهقي في سننه، عن مجاهد نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن أبي داود نفيع قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} الآية، فقام رجل من هذيل فقال: يا رسول الله من تركه كفر؟ فقال: «من تركه لا يخاف عقوبته، ومن حج لا يرجو ثوابه، فهو ذاك»
وأخرج ابن جرير، عن عطاء بن أبي رباح في الآية قال: من كفر بالبيت.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله: {وَمَن كَفَرَ} قال: «من كفر بالله، واليوم الآخر».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد مثله من قوله.
وأخرج ابن جرير، عن ابن زيد أنه سئل عن ذلك، فقرأ: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} إلى قوله: {سَبِيلاً} ثم قال: {وَمَن كَفَرَ} بهذه الآيات.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن مسعود في الآية قال: {وَمَن كَفَرَ} فلم يؤمن به: فهو الكافر.


قوله: {قُلْ ياأهل الكتاب} خطاب لليهود، والنصارى، والاستفهام في قوله: {لِمَ تَكْفُرُونَ} للإنكار، والتوبيخ. وقوله: {والله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} جملة حالية مؤكدة للتوبيخ، والإنكار، وهكذا المجيء بصيغة المبالغة في شهيد يفيد مزيد التشديد، والتهويل، والاستفهام في قوله: {لِمَ تَصُدُّونَ} يفيد ما أفاده الاستفهام الأول. وقرأ الحسن: {تَصُدُّونَ} من أصد، وهما لغتان: مثل صد اللحم، وأصد: إذا تغير، وأنتن، وسبيل الله دينه الذي ارتضاه لعباده، وهو دين الإسلام، والعوج: الميل، والزيغ، يقال عوج بالكسر إذا كان في الدين، والقول، والعمل، وبالفتح في الأجسام كالجدار، ونحوه، روي ذلك عن أبي عبيدة، وغيره، ومحل قوله: {تبغونها عوجاً} النصب على الحال. والمعنى: تطلبون لها اعوجاجاً، وميلاً عن القصد، والاستقامة بإبهامكم على الناس بأنها كذلك تثقيفاً لتحريفكم، وتقويماً لدعاويكم الباطلة. وقوله: {وَأَنْتُمْ شُهَدَاء} جملة حالية، أي: كيف تطلبون ذلك بملة الإسلام، والحال أنكم تشهدون أنها دين الله الذي لا يقبل غيره، كما عرفتم ذلك من كتبكم المنزلة على أنبيائكم، قيل: إن في التوراة أن دين الله الذي لا يقبل غيره الإسلام، وأن فيه نعت محمد صلى الله عليه وسلم؛ وقيل: المراد: {وَأَنْتُمْ شُهَدَاء} أي: عقلاء، وقيل: المعنى وأنتم شهداء بين أهل دينكم مقبولون عندهم، فكيف تأتون بالباطل الذي يخالف ما أنتم عليه بين أهل دينكم؟ ثم توعدهم سبحانه بقوله: {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} ثم خاطب سبحانه المؤمنين محذراً لهم عن طاعة اليهود، والنصارى مبيناً لهم أن تلك الطاعة تفضي إلى أن يردونهم بعد إيمانهم كافرين، وسيأتي بيان سبب نزول الآية،
والاستفهام في قوله: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ} للإنكار، أي: من أين يأتيكم ذلك، ولديكم ما يمنع منه ويقطع أثره، وهو: تلاوة آيات الله عليكم، وكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم؟ ومحل قوله: {وَأَنتُمْ} وما بعده النصب على الحال. ثم أرشدهم إلى الاعتصام بالله ليحصل لهم بذلك الهداية إلى الصراط المستقيم الذي: هو الإسلام، وفي وصف الصراط بالاستقامة ردّ على ما ادَّعوه من العوج. قال الزجاج: يجوز أن يكون هذا الخطاب لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيهم، وهم يشاهدونه، ويجوز أن يكون هذا الخطاب لجميع الأمة؛ لأن آثاره، وعلامته، والقرآن الذي أوتيه فينا، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، وإن لم نشاهده. انتهى. ومعنى الاعتصام بالله التمسك بدينه، وطاعته، وقيل: بالقرآن، يقال: اعتصم به، واستعصم، وتمسك، واستمسك: إذا امتنع به من غيره، وعصمه الطعام: منع الجوع منه.
قوله: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} أي: التقوى التي تحق له، وهي: أن لا يترك العبد شيئاً مما يلزمه فعله، ولا يفعل شيئاً مما يلزمه تركه، ويبذل في ذلك جهده، ومستطاعه.
قال القرطبي: ذكر المفسرون أنها لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله من يقوى على هذا؟ وشق عليهم ذلك، فأنزل الله: {فاتقوا الله مَا استطعتم} [التغابن: 16] فنسخت هذه الآية. روي ذلك عن قتادة، والربيع، وابن زيد. قال مقاتل: وليس في آل عمران من المنسوخ شيء إلا هذا. وقيل: إن قوله: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} مبين بقوله: {فاتقوا الله مَا استطعتم} والمعنى: اتقوا الله حق تقاته ما استطعتم. قال: وهذا أصوب؛ لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع، والجمع ممكن، فهو أولى. قوله: {وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} أي: لا تكونن على حال سوى حال الإسلام، فالاستثناء مفرغ، ومحل الجملة: أعني: قوله: {وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} النصب على الحال، وقد تقدم في البقرة تفسير مثل هذه الآية. قوله: {واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً} الحبل لفظ مشترك، وأصله في اللغة السبب الذي يتوصل به إلى البغية، وهو: إما تمثيل، أو استعارة. أمرهم سبحانه بأن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام، أو بالقرآن، ونهاهم عن التفرق الناشيء عن الاختلاف في الدين، ثم أمرهم بأن يذكروا نعمة الله عليهم، وبين لهم من هذه النعمة ما يناسب المقام، وهو أنهم كانوا أعداء مختلفين يقتل بعضهم بعضاً، وينهب بعضهم بعضاً، فأصبحوا بسبب هذه النعمة إخواناً وكانوا على شفا حفرة من النار بما كانوا عليه من الكفر، فأنقذهم الله من هذه الحفرة بالإسلام. ومعنى قوله: {أصبحتم} صرتم، وليس المراد به معناه الأصلي: وهو الدخول في وقت الصباح، وشفا كل شيء: حرفه، وكذلك شفيره، وأشفى على الشيء: أشرف عليه، وهو تمثيل للحالة التي كانوا عليها في الجاهلية. وقوله: {قَالَ كذلك} إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده أي: مثل ذلك البيان البليغ يبين الله لكم. وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إرشاد لهم إلى الثبات على الهدى، والازدياد منه.
وقد أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: مرّ شاس بن قيس- وكان شيخاً قد عسى في الجاهلية، عظيم الكفر، شديد الطعن على المسلمين، شديد الحسد لهم- على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس، والخزرج في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم، وجماعتهم، وصلاح ذات بينهم على الإسلام. بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد، والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتى شاباً معه من يهود، فقال: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم ذكرهم يوم بعاث، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا يتقاولون فيه من الأشعار- وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس، والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج،- ففعل فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا، وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب، أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم، والله رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان جميعاً، وقالوا: قد فعلنا، السلاح السلاح موعدكم الظاهرة- والظاهرة: الحرة- فخرجوا إليها، وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال: «يا معشر المسلمين الله الله أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم؟ بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟» فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم لهم، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس، وأنزل الله في شأن شاس بن قيس، وما صنع {قُلْ ياأهل أَهْلِ الكتاب لَمَن تَكْفُرُونَ بئيات الله والله شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} إلى قوله: {وَمَا الله بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} وأنزل في أوس بن قيظي، وجبار بن صخر، ومن كان معهما من قومهما الذين صنعوا ما صنعوا {ياأيها الذين ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب} إلى قوله: {وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وقد رويت هذه القصة مختصرة، ومطولة من طرق.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدي في قوله: {لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} قال: كانوا إذا سألهم أحد تجدون محمداً؟ قالوا: لا، قال: فصدوا الناس عنه، وبغوا محمداً عوجاً هلاكاً.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن قتادة: لم تصدون عن الإسلام، وعن نبي الله من آمن بالله، وأنتم شهداء فيما تقرءون من كتاب الله أن محمداً رسول الله، وأن الإسلام دين الله الذي لا يقبل غيره، ولا يجزي إلا به يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة، والإنجيل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن جريج في قوله: {وَمَن يَعْتَصِم بالله} قال: يؤمن به.
وأخرجوا عن أبي العالية قال: الاعتصام: الثقة بالله.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، عن ابن مسعود في قوله: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} قال: أن يطاع، فلا يعصى، ويذكر، فلا ينسى، ويشكر، فلا يكفر.
وقد رواه الحاكم وصححه، وابن مردويه من وجه آخر عنه مرفوعاً بدون قوله: ويشكر، فلا يكفر.
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس قال: حقّ تقاته أن يطاع، فلا يعصى، فلن تستطيعوا، فأنزل الله بعد ذلك: {فاتقوا الله مَا استطعتم} [التغابن: 16] وأخرج عبد بن حميد، عنه نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير، نحوه.
وأخرج ابن مردويه، عن ابن مسعود نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {حَقَّ تُقَاتِهِ} قال: لم تنسخ، ولكن حق تقاته أن يجاهدوا في الله حق جهاده، ولا يأخذهم في الله لومة لائم، ويقوموا لله بالقسط، ولو على أنفسهم، وآبائهم، وأبنائهم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، قال السيوطي بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله: {واعتصموا بِحَبْلِ الله} قال: حبل الله القرآن.
وقد وردت أحاديث أن كتاب الله هو حبل الله الممدود.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن أبي العالية قال: {واعتصموا بحبل الله} بالإخلاص لله وحده.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن قال: بطاعته.
وأخرج أيضاً، عن قتادة قال: بعهده، وأمره.
وأخرج ابن جرير، عن ابن زيد قال: بالإسلام.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن جريج في قوله: {إِذْ كُنتُم أَعْدَاء} قال: ما كان بين الأوس، والخزرج في شأن عائشة.
وأخرج ابن إسحاق قال: كانت الحرب بين الأوس، والخزرج عشرين ومائة سنة، حتى قام الإسلام، فأطفأ الله ذلك، وألف بينهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدي في قوله: {وَكُنتُمْ على شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النار} يقول: كنتم على طرف النار، من مات منكم، وقع في النار، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، واستنقذكم به من تلك الحفرة.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12